29 - 06 - 2024

رؤية خاصة | مصر تنجح وتعود للتاريخ

رؤية خاصة | مصر تنجح وتعود للتاريخ

(أرشيف المشهد)

  • 12-8-2015 | 21:40

أنتمي لجيل لم يعش الكثير من الأحداث المشرقة بل أفلت بالكاد من صفحات شديدة الإظلام في حياة الوطن. أحمد الله مثلاً أني كنت دون الثالثة حين وقعت كارثة 5 يونيه 67 فعافاني الله وجيلي من مرارتها وانكسارها النفسي (وإن لم نسلمجميعاً من تداعياتها وآثارها المدمرة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً).

أول صفحة مشرقة بحق تفتحت عليها أعيننا بكثير من الوعي كانت حرب أكتوبر الخالدة وانتصارها العظيم.بعدها بعامين وكثمرة يانعة لهذا الانتصار استضاءت أرواحنا بإعادة افتتاح قناة السويس؛ذلك الحدث الكبير الذي أنهى ثمانية أعوام عجاف من الركود والموات. ثم طرح الانتصار أعظم ثماره باستعادة سيناء الحبيبة بعدها بسنوات.

ستمضي عقود بعد ذلك دون أن تطرق الأبواب فرحة مماثلة. وسينهمك التاريخ في ملء الفصول التي خصصها لنا فيكتابه بمداد الكآبة والإحباطات الواحدة تلو الأخرى. ربما توقف في مناسبات متباعدة ليضع سطوراً قليلة هنا أو هناك، عن وقائع صغيرة تنثر شيئاً من السعادة والرضا، لكنها كانت - كسطوره تماماً - قليلة ومتباعدة ولا ترتقي إلى مرتبة الأمجاد العظيمة التي ترسخ في ذاكرة الإنسانية وتفرض نفسها على التاريخ الشديد الانتقائية.

أتت لحظات استثنائية أرهف فيها التاريخ أذناه انتباهاً واهتماماً في 25 يناير،وشرع يسجل بهمة في صفحات الأمجاد لكنه سرعان ما توقف يهز رأسه حيرةً وتعجباً وأسفاً. ثم عاد يرهف سمعه في 30 يونيه مرة أخرى لكنه  بقي حذراً لا يستبق الأحداث ولا يقفز إلى نتائج، كأنما ينتظر دليلاً وبرهاناً على أن هؤلاء القوم جادون في سعيهم لدخول صفحات كتابه المشرقة عن استحقاق.

أزعم أن افتتاح قناة السويس الجديدة دليل هام وبرهان ساطع على جدية سعينا. هل يفسر ذلك –للمندهشين- سر فرحتنا الكبيرة بهذا الإنجاز الذي نراه عظيماً ويحسبونه هيناً؟

لقد اختار الشيخ الكبير ذو اللحية الكثة البيضاء –المدعو التاريخ-أياماً مجيدة يجمعها رباط واحد: الافتتاح الأول لقناة السويس وتأميم القناة وإعادتها لأصحابها الحقيقيين الذين دفعوا فيها ضريبة الدم والحياة وإعادة افتتاح القناة وإنهاء ارتهانها بيد العدو؛ اختارها بعناية وانتظمها في حدث جديد فريد، وها هو يعيد بعثها وبثها في عرض مباشر لكل من لم يحالفه حظ اللحاق بهذه الأحداث الجليلة في حينها.

وكما أحسن اختيار الأحداث لمولد جديد، أبدع في تحديد التوقيت الذي يعيد فيه بعثها؛ فجاءت رياً بعد عطشٍ كدنا معه نأكل الثرى، وفرحةً بعد جدبٍ كاد ينسينا طعم ضحكة القلب من القلب.

إنجاز مشروع قناة السويس الجديدة قد لا يكفي وحده لكنه يفتح آفاقاً شديدة الاتساع للمزيد من الأدلة والبراهين التي تمنحنا شرعية العودة المزهوة لكتاب التاريخ.

++++

اختلف ما شئت مع القيادة السياسية.. ولكن لا تجعل خلافك السياسي يحول بينك وبين الشعور ببلدك ووطنك.. لا تتركه يدس في نفسكرغبة سوداوية في أن ترى هذا الوطن كسيراً جريحاً معوزاً لتثبت أنك على حق وأن القيادة فاشلة.. لا تسمح له بأن يجرك إلى مستنقع كراهية الخير لأبناء جلدتك بل ولأبنائك أنت فتنكر النجاح وتحقر الإنجاز وتسفه قيمالاجتهادوالعمل.

مصر تنجح .. مصر تعود للتاريخ الذي حاولوا أن ينفوها خارجه.

مقالات اخرى للكاتب

رؤية خاصة| نورا على طريق الغارمات





اعلان